القرآن المكي - 10 أغسطس 2016

صحيفة المدينة

القرآن المكي - 10 أغسطس 2016

2021-10-11    491

تحتلُّ مكّةُ المكرمة مكانة في قلب كُلّ مسلم ، هذا البلد الأمين الذي ورد في القرآن الكريم بأسماءٍ متعدّدة ، وبها نزل القرآن الكريم ، ومن كرم الله على بيته المقدس وآياته البينات أن ذكر مواضع كثيرة فيها في كتابه الكريم كعرفة والصفا والمروة ومقام ابراهيم وغار حراء والمسجد الحرام والمشعر الحرام ،وليست هذه الأماكن وحدها التي ذُكِرَت ، فهناك حُنَيْن ، والشجرة التي بُويع تحتها النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديبية وغيرهما مما لايتسع المقال لحصرها ، ولم يكن الاستقصاء هدفًا ولا مطلبًا .
وقد استمرَّ نزول القرآن الكريم في مكة ثلاث عشرة سنة ، وفي أرجح الأقوال أنَّ عدد السور المكية 86 سورةً، في مقابل 28 سورةً مدنية.
وبالنظر والتدبر في أسلوب الآيات المكية نجد أنه يحمل التعنيف والتهديد والتخويف، لأن أهل مكة كانوا مشركين أشِدَّاء في عداوتهم ، وقلوبهم قاسية كالحجارة أو أشدُّ قسْوَةً، وكان لابد من مخاطبتهم بما يلائم حالهم، ويتلاءم مع الوضع النفسي الذي كان قائماً آنذاك، ولهذا جاءت فيها كلمة (كَلَّا) الدالة على الزجر والإنكار، أمَّا الخطابُ فكان بـ (يا أيها الناس)، وجاءت فيها قصص الأنبياء بهدف الإقناع، وورد فيها ما وقع للأمم السابقة بهدف الاعتبار، وذُكِرَت فيها قصة آدم وإبليس التي تشير إلى الصراع بين الخير والشر والإيمان والكفر، وجاءت الآيات موجزة، والسور قصيرة، وهي مليئة بالقسم. هذا من حيث الأسلوب .
أما من حيث الموضوع فقد حثت الآيات المكية على تصحيح العقيدة، ونبذ الشرك، والإيمان بالله وحده، والإيمان بالبعث، ودعت إلى الالتزام بالأخلاق والاستقامة ومحبة الغير، ورفض كل أنواع الفسوق والعصيان والإضرار بالغير والاعتداء على حقوق الآخرين، واقترن ذلك بالتنديد بالعادات التي كانت سائدة في العصر الجاهلي من وأد البنات وعبادة الأصنام وظلم القوي للضعيف، وشرب الخمر وإتيان الفواحش، وأكل مال اليتيم واضطهاد الرجل للمرأة .
وخلت الآيات المكية من وضع نظام المجتمع الإسلامي الذي جاء في الآيات المدنية ؛ ذلك أن مُكَوِّنات ذلك المجتمع كانت غائبة لمْ تتكوَّن بعد ، وبعد أن تكوَّنت في المدينة جاءت الآيات المدنية تُنَظِّم الشؤون الداخلية على قواعد ثابتة تحقق الانسجام بين مبادئ الإسلام وواقع المجتمع الإسلامي ، وتُجَسِّد واقع ذلك المجتمع وما يواجهه من تحديات خارجية تستهدف كيانه ووجوده.
إنَّ القرآن المكيّ بأسلوبه وخصائصه ومميزاتِهِ كانَ الماء الزلال الذي روّى بذرة الإسلام الأولى، والسدّ المنيع الذي حماها من عواصف الكفرِ، والحجة القاهرة التي أبطلتْ دعاوى المشركين. فسبحان الحكيمِ الحميد الذي أنزل قرآناً ((لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)).


مشاركة :